الذبح المنذور للاولیاء و الصالحین فی فتوی دارالافتاء مصر
بسم الله الرحمن الرحیم
السؤال : يصطحب كثیر من الزوار معهم الذبائح المنذورة للأولیاء والصالحین، فهل هذا
جائز؟
الجواب: المعنى الذي يقصده الناس بالذبح والنذر للأولیاء والصالحین هو وَهْبُ الثواب
إلیهم، وهذا المعنى صحیحٌ شرعًا، ولا ينافي التوحید وإخلاص العبادة لله تعالى، وقد ورد
هذا المعنى في حديث سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه حین قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنََّ أُمََّ سَعْدٍ
فَحَفَرَ بِئْرًا، وَقَالَ: هَذِهِ لأُمَِّ سَعْدٍ. رواه أبو داود. ،» الْمَاءُ « : مَاتَتْ، فَأَيَُّ الصََّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ
وعلى ذلك فالنذر والذبح للأولیاء والصالحین بهذا المعنى الذي يقصده الناس صحیح ولیس
شركًا كما يُرَوَِّجُ البعض، ولا ينافي التوحید وإخلاص العبادة لله تعالى؛ لأنه لا معنى له عند
قائله إلا جعل ثوابه للمتوفى، فهو نذرٌ أو ذبحٌ لله سبحانه وتعالى مُتَقَرََّبٌ به إلیه، جعله
صاحبُه صدقةً عن الولي الصالح ووهب ثوابه إلیه. وها هنا أمرٌ ينبغي التنبیه علیه، وهو أن
النَّذر على نوعین: مطلقٌ ومعلَّق، والمعلََّق منه مكروه؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:
إِنََّهُ لا يَرُدَُّ شَیْئًا؛ وَإِنََّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ « : نَهَى النََّبِيَُّ صلى الله علیه وآله وسلم عَنِ النََّذْرِ وقَالَ
رواه البخاري، فالأَوْلى بالمسلم أن يتقرب إلى الله تعالى بالعمل الصالح والطاعة » الْبَخِیلِ
من غیر أن يعلَِّق ذلك على حصول شيء أو عدم حصوله.
ونذر الطاعة على نوعین:
نذر العبادات المقصودة، وهي ما كان لوجوبها أصلٌ في الشرع؛ كالصلاة والصوم والحج
وغیرها، وهذا النوع يلزم الوفاء به بالإجماع.
ونذر القُرَب غیر المقصودة، وهي التي لیس لها أصل في الفروض، لكنها أعمال وأخلاق
مستحسنة رغََّب الشرع فیها؛ كبناء المساجد وتشییع الجنائز وتشمیت العاطس ونحو ذلك،
وهذا يلزم الوفاء به عند الجمهور خلافًا للحنفیة.
ولا يقدح في صحة النذر عن المیت قولُ الفقهاء إن النذر لا ينعقد للمیت؛ لأنَّ عدمَ الانعقاد
راجعٌ لاستحالة تسلیم عین المنذور إلى المیت، وهو ما لا يقصده أحدٌ من الناذرين.
والله سبحانه وتعالى أعلم
تاريخ الفتوى : 41 يناير 3142
رقم الفتوى : 3231
السؤال
من الشائع قديمًا وحديثًا في الريف والصعید المصري النذر بذبح شيء لأحد الأولیاء إذا
تحقق مطلب ما دعا به الناذر عند ضريح هذا الولي مستشفعًا ببركته في قبول الله للدعاء،
فهل يُعدَّ هذا الفعل من الشرك أم لا؟
الجواب
الذَّبْح بالفتح: قَطْع الحُلْقومِ من باطنٍ عند النَّصیل، وهو موضع الذَّبح من الحَلْق. والذِّبْح
بالكسر: اسم ما يُذْبَح من الأَضاحِي وغیرِهَا مِن الحَیوان؛ قال تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بذِبْحٍ عَظِیمٍ﴾
124 ، مادة: ذ ب ح، ط. دار صادر(. / ]الصافات: 411 [. راجع: “لسان العرب” ) 3
والحیوان إن كان مقدورًا علیه فذكاته تكون بذبحه في حلقه، أو في لَبَّته وهي الثُّغرة بین –
التُّرقُوَتَین أسفلَ العنق ، والأفضل أن يختص النحر بالإبل وكل ما طال عنقه من الحیوانات –
مأكولة اللحم، بینما يختص الذبح بما قصر عنقه منها، وإن لم يكن مقدورًا علیه كالصید
فذكاته تحصل بالعَقْر وهو ما يسمى بذكاة الضرورة ، أي: جرح الحیوان جرحًا مُزهِقًا – –
للروح في أيِّ جهة من جسمه. وإذا أزهقت روح الحیوان بغیر ما ذُكِرَ كان مَیْتَة لا يجوز
أكل لحمه.
والذبح قد يكون عبادة إذا أراد المسلم به التقرُّب إلى الله عز وجل كما في الأضحیة،
والعقیقة، والنذر، لذلك اعتنى الإسلام بجانب الإخلاص فیها، وأولاه أهمیة كبیرة؛ قال تعالى:
.] ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ ]الكوثر: 3
411 ، ط. الدار التونسیة(: ]أفادت / قال الطاهر ابن عاشور في “التحرير والتنوير” ) 21
اللام من قوله: ﴿لِرَبِّكَ﴾ أنه يخُص الله بصلاته فلا يصلي لغیره. ففیه تعريض بالمشركین
بأنهم يصلون للأصنام بالسجود لها والطواف حولها. وعطف ﴿وَانْحَرْ﴾ على ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ﴾
يقتضي تقدير متعلِّقه مماثلًا لمتعلِّق ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ﴾؛ لدلالة ما قبله علیه…، فالتقدير: وانحر له.
وهو إيماء إلى إبطال نحر المشركین قربانًا للأصنام[ اه.
وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْیَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ﴾ ]الأنعام: 443 [، قال
331 ، ط. مؤسسة الرسالة( في تفسیر هذه الآية: / الإمام الطبري في “جامع البیان” ) 43
]حدثنا ابن حمید قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن
أبي بزة، عن مجاهد: ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي﴾، قال: النسك، الذبائح في الحج والعمرة[ اه.
213 ، مادة: ن س ك(: ]وأصل النسك بالضم / قال الإمام الزَّبیدي في “تاج العروس” ) 31
وبضمتین وكسفینة: الذبیحة، أو النسك بالفتح: الدم هكذا يقتضي إطلاقه، والصواب، أو
النسك بضمتین: الدم، ومنه قولهم: من فعل كذا وكذا فعلیه نسك، أي: دم يهريقه بمكة[ اه.
فقد وقف الإسلام موقفًا حاسمًا في هذه القضیة، فأعلن النكیر على ممارسات الجاهلیین الذين
كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها من دون الله، لذلك حرَّم الله عز وجل ما ذبح لغیر الله؛
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیْكُمُ الْمَیْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَیْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ
.] بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَیْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ﴾ ]البقرة: 412
243 ( في تفسیر الآية: ]وأما قوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ / قال الإمام الطبري في “جامع البیان” ) 2
لِغَیْرِ اللهِ﴾، فإنه يعني به: وما ذُبح للآلهة والأوثان يُسمى علیه بغیر اسمه، أو قُصد به غیرُه
من الأصنام. وإنما قیل: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ﴾؛ لأنهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قرَّبوه لآلهتهم، سموا
اسم آلهتهم التي قربوا ذلك لها، وجَهروا بذلك أصْواتَهم، فجرى ذلك من أمرهم على ذلك،
حتى قیل لكل ذابح، سمَّى أو لم يُسمِّ، جهر بالتسمیة أو لم يجهر… حدَّثني يونس قال: أخبرنا
ابن وهب قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله: ﴿وَمَا أهِلَّ به لغیر الله﴾، قال: ما يذبح
لآلهتهم، الأنصابُ التي يعبدونها أو يسمُّون أسماءَها علیها. قال: يقولون: )باسم فلان(، كما
تقول أنت: )باسم الله( قال: فذلك قوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَیْرِ اللهِ﴾[ اه.
114 ، ط. دار إحیاء التراث / يقول الإمام النووي في “شرحه على صحیح مسلم” ) 42
الذي أخرجه مسلم في “صحیحه” عن » لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَیْرِ اللهِ « : العربي( في شرح حديث
علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ]أما الذبح لغیر الله؛ فالمراد به أن يذبح باسم غیر الله
تعالى، كمن ذبح للصنم أو الصلیب أو لموسى أو لعیسى صلى الله علیهما أو للكعبة ونحو
ذلك، فكل هذا حرام، ولا تحل هذه الذبیحة سواء كان الذابح مسلمًا أو نصرانیًّا أو يهوديًّا…
فإن قصد مع ذلك تعظیم المذبوح له غیر الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفرًا[ اه.
وقد يخلط البعض بین صورة الذبح لغیر الله عبادة له وتعظیمًا وتقربًا منه، وبین اصطحاب
بعض المسلمین عند زيارة قبور الأولیاء والصالحین الذبائح المنذورة، وذبحها وتفريقها عند
قبور الأولیاء والصالحین، ولا يتقربون بهذه الذبائح إلى الولي الصالح، وإنما يريدون به أن
يصل ثواب الذبیحة للمیت، أي: يذبح عنه لیصل ثوابها له، ولا يذبح له ويتقرب إلیه؛ لأن
هذه نیته ومقصده، وقد يعبر برغبته في هبة ثواب الذبیحة أو الصدقة لهذا الصالح بتعبیر لا
يدرك خطأ من تلفظ به، فلا يجوز التسرع بمجرد سماع هذا التعبیر باتهام المسلمین بالكفر
وأنهم يعبدون هؤلاء الأولیاء، خاصة وقد ورد مثل هذا التعبیر الموهم عن الصحابة الكرام
رضي الله عنهم؛ فقد روى أبو داود عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ،
فَحَفَرَ بِئْرًا، وَقَالَ: هَذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ. أي: ،» الْمَاءُ « : إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ، فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ
هذه البئر صدقة لها.
وعلى ذلك: فالنذر والذبح للأولیاء والصالحین بهذا المعنى الذي يقصده الناس صحیحٌ ولیس
شركًا كما يُرَوِّجُ البعض، ولا ينافي التوحید وإخلاص العبادة لله تعالى.
234 ، ط. دار الفكر( مبینًا هذه الصورة على / يقول الإمام النووي في “المجموع” ) 3
الخصوص: ]قال الرافعي: واعلم أن الذبح للمعبود وباسمه نازل منزلة السجود، وكل واحد
منهما من أنواع التعظیم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة، فمن ذبح
لغیره من حیوان أو جماد كالصنم على وجه التعظیم والعبادة لم تحلَّ ذبیحته وكان فعله كفرًا
كمن يسجد لغیر الله تعالى سجدة عبادة، فكذا لو ذبح له أو لغیره على هذا الوجه. فأما إذا ذبح
لغیره لا على هذا الوجه بأن ضحَّى أو ذبح للكعبة تعظیمًا لها؛ لكونها بیت الله تعالى أو
لرسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لكونه رسول الله فهو لا يجوز أن يمنع حلَّ الذبیحة،
وإلى هذا المعنى يرجع قول القائل: أهديت للحرم أو الكعبة، ومن هذا القبیل الذبح عند
استقبال السلطان؛ لأنه استبشار بقدومه نازل منزلة ذبح العقیقة لولادة المولود، ومثل هذا لا
يوجب الكفر، وكذا السجود للغیر تذللًا وخضوعًا لا يوجب الكفر وإن كان ممنوعًا، وعلى
هذا: فإذا قال الذابح: باسم الله واسم محمد وأراد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد فینبغي ألا
يحرَّم، وقول من قال: لا يجوز ذلك يمكن حمله على أن اللفظة مكروهة؛ لأن المكروه يصحَّ
نفي الجواز والإباحة المطلقة عنه[ اه.
فلا ينبغي لنا التسرع بالحكم بالشرك على من يذبح عند أولیاء الله قاصدًا بذلك إيصال الثواب
لهم؛ لأن الشرك يحصل إذا اعتقد الشخص النفع الذاتي في غیر الله أو القدرة الذاتیة على
الضرر، وكذا إذا صرف عبادة لغیره سبحانه، فینبغي أن نحسن الظن بهؤلاء؛ لأنه قد وقع
اتفاق الأمة على أن المسلم إذا عمل عملًا يحتمل الكفر من تسعة وتسعین وجهًا، ثم هو يحتمل
الإيمان من وجه واحد، وجب الأخذ بهذا الوجه الإيماني وحده، وإسقاط اعتبار بقیة الوجوه.
333 ، ط. دار الكتب العلمیة(: ]لا يفتى بكفر / قال العلامة ابن عابدين في “الدر المختار” ) 1
مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف، ولو رواية ضعیفة[ اه.
فالكفر من المسائل التي ينبغي التدقیق في الكلام علیها، لما يترتب علیها مِن أحكام دنیوية
وأخروية، فمعنى ثبوت الردة هَدْر الدم والمال وحرمة قربانه زوجته المسلمة، والشهادة علیه
بالخلود في النار إن مات على حاله. ولأجل عظم هذا الأمر وخطره وجب التبیین والتحري
الشديد قبل إصدار الحكم بالكفر وخصوصًا عن أناس ثبت إسلامهم، فمتى أمكن حمل فعل
المسلم أو قوله على محمل حسن تعیَّن ذلك، لا سیَّما وأن إسلامه قرينة قوية تدفع عنه حكم
الكفر.
وبناء على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإن ما يفعله بعض المسلمین عند قبور أولیاء الله
الصالحین من توزيع الذبائح عند قبورهم لإطعام أحباب هذا الولي أو غیره، وأن قول أحدهم
هذا لسیدنا الحسین رضي الله عنه مثلًا ينبغي أن يفسَّر ويحمل على محمل سائغ شرعًا – –
كالذي يحمل علیه قول سیدنا سعد: “هذه لأم سعد”، ولا تُعَدُّ هذه الأمور كلها من الذبح تعبدًا
لغیر الله الذي يكفر فاعله، فلا يكفر المسلم بفعل ذلك إلا إذا كان يقصد العبادة والتقرب من
غیر الله بهذا الذبح معتقدًا مشاركته لله تعالى في التأثیر وتصريف الأمور.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
التفاصیل ….
الذَّبْح بالفتح: قَطْع الحُلْقومِ من باطنٍ عند النَّصیل، وهو موضع الذَّبح من الحَلْق. والذِّبْح
بالكسر: اسم ما يُذْبَح من الأَضاحِي وغیرِهَا مِن الحَیوان؛ قال تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بذِبْحٍ عَظِیمٍ﴾
124 ، مادة: ذ ب ح، ط. دار صادر(. / ]الصافات: 411 [. راجع: “لسان العرب” ) 3
والحیوان إن كان مقدورًا علیه فذكاته تكون بذبحه في حلقه، أو في لَبَّته وهي الثُّغرة بین –
التُّرقُوَتَین أسفلَ العنق ، والأفضل أن يختص النحر بالإبل وكل ما طال عنقه من الحیوانات –
مأكولة اللحم، بینما يختص الذبح بما قصر عنقه منها، وإن لم يكن مقدورًا علیه كالصید
فذكاته تحصل بالعَقْر وهو ما يسمى بذكاة الضرورة ، أي: جرح الحیوان جرحًا مُزهِقًا – –
للروح في أيِّ جهة من جسمه. وإذا أزهقت روح الحیوان بغیر ما ذُكِرَ كان مَیْتَة لا يجوز
أكل لحمه.
والذبح قد يكون عبادة إذا أراد المسلم به التقرُّب إلى الله عز وجل كما في الأضحیة،
والعقیقة، والنذر، لذلك اعتنى الإسلام بجانب الإخلاص فیها، وأولاه أهمیة كبیرة؛ قال تعالى:
.] ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ ]الكوثر: 3
411 ، ط. الدار التونسیة(: ]أفادت / قال الطاهر ابن عاشور في “التحرير والتنوير” ) 21
اللام من قوله: ﴿لِرَبِّكَ﴾ أنه يخُص الله بصلاته فلا يصلي لغیره. ففیه تعريض بالمشركین
بأنهم يصلون للأصنام بالسجود لها والطواف حولها. وعطف ﴿وَانْحَرْ﴾ على ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ﴾
يقتضي تقدير متعلِّقه مماثلًا لمتعلِّق ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ﴾؛ لدلالة ما قبله علیه…، فالتقدير: وانحر له.
وهو إيماء إلى إبطال نحر المشركین قربانًا للأصنام[ اه.
وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْیَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ﴾ ]الأنعام: 443 [، قال
331 ، ط. مؤسسة الرسالة( في تفسیر هذه الآية: / الإمام الطبري في “جامع البیان” ) 43
]حدثنا ابن حمید قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن
أبي بزة، عن مجاهد: ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي﴾، قال: النسك، الذبائح في الحج والعمرة[ اه.
213 ، مادة: ن س ك(: ]وأصل النسك بالضم / قال الإمام الزَّبیدي في “تاج العروس” ) 31
وبضمتین وكسفینة: الذبیحة، أو النسك بالفتح: الدم هكذا يقتضي إطلاقه، والصواب، أو
النسك بضمتین: الدم، ومنه قولهم: من فعل كذا وكذا فعلیه نسك، أي: دم يهريقه بمكة[ اه.
فقد وقف الإسلام موقفًا حاسمًا في هذه القضیة، فأعلن النكیر على ممارسات الجاهلیین الذين
كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها من دون الله، لذلك حرَّم الله عز وجل ما ذبح لغیر الله؛
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیْكُمُ الْمَیْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَیْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ
.] بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَیْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ﴾ ]البقرة: 412
243 ( في تفسیر الآية: ]وأما قوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ / قال الإمام الطبري في “جامع البیان” ) 2
لِغَیْرِ اللهِ﴾، فإنه يعني به: وما ذُبح للآلهة والأوثان يُسمى علیه بغیر اسمه، أو قُصد به غیرُه
من الأصنام. وإنما قیل: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ﴾؛ لأنهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قرَّبوه لآلهتهم، سموا
اسم آلهتهم التي قربوا ذلك لها، وجَهروا بذلك أصْواتَهم، فجرى ذلك من أمرهم على ذلك،
حتى قیل لكل ذابح، سمَّى أو لم يُسمِّ، جهر بالتسمیة أو لم يجهر… حدَّثني يونس قال: أخبرنا
ابن وهب قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله: ﴿وَمَا أهِلَّ به لغیر الله﴾، قال: ما يذبح
لآلهتهم، الأنصابُ التي يعبدونها أو يسمُّون أسماءَها علیها. قال: يقولون: )باسم فلان(، كما
تقول أنت: )باسم الله( قال: فذلك قوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَیْرِ اللهِ﴾[ اه.
114 ، ط. دار إحیاء التراث / يقول الإمام النووي في “شرحه على صحیح مسلم” ) 42
الذي أخرجه مسلم في “صحیحه” عن » لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَیْرِ اللهِ « : العربي( في شرح حديث
علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ]أما الذبح لغیر الله؛ فالمراد به أن يذبح باسم غیر الله
تعالى، كمن ذبح للصنم أو الصلیب أو لموسى أو لعیسى صلى الله علیهما أو للكعبة ونحو
ذلك، فكل هذا حرام، ولا تحل هذه الذبیحة سواء كان الذابح مسلمًا أو نصرانیًّا أو يهوديًّا…
فإن قصد مع ذلك تعظیم المذبوح له غیر الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفرًا[ اه.
وقد يخلط البعض بین صورة الذبح لغیر الله عبادة له وتعظیمًا وتقربًا منه، وبین اصطحاب
بعض المسلمین عند زيارة قبور الأولیاء والصالحین الذبائح المنذورة، وذبحها وتفريقها عند
قبور الأولیاء والصالحین، ولا يتقربون بهذه الذبائح إلى الولي الصالح، وإنما يريدون به أن
يصل ثواب الذبیحة للمیت، أي: يذبح عنه لیصل ثوابها له، ولا يذبح له ويتقرب إلیه؛ لأن
هذه نیته ومقصده، وقد يعبر برغبته في هبة ثواب الذبیحة أو الصدقة لهذا الصالح بتعبیر لا
يدرك خطأ من تلفظ به، فلا يجوز التسرع بمجرد سماع هذا التعبیر باتهام المسلمین بالكفر
وأنهم يعبدون هؤلاء الأولیاء، خاصة وقد ورد مثل هذا التعبیر الموهم عن الصحابة الكرام
رضي الله عنهم؛ فقد روى أبو داود عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ،
فَحَفَرَ بِئْرًا، وَقَالَ: هَذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ. أي: ،» الْمَاءُ « : إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ، فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ
هذه البئر صدقة لها.
وعلى ذلك: فالنذر والذبح للأولیاء والصالحین بهذا المعنى الذي يقصده الناس صحیحٌ ولیس
شركًا كما يُرَوِّجُ البعض، ولا ينافي التوحید وإخلاص العبادة لله تعالى.
234 ، ط. دار الفكر( مبینًا هذه الصورة على / يقول الإمام النووي في “المجموع” ) 3
الخصوص: ]قال الرافعي: واعلم أن الذبح للمعبود وباسمه نازل منزلة السجود، وكل واحد
منهما من أنواع التعظیم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة، فمن ذبح
لغیره من حیوان أو جماد كالصنم على وجه التعظیم والعبادة لم تحلَّ ذبیحته وكان فعله كفرًا
كمن يسجد لغیر الله تعالى سجدة عبادة، فكذا لو ذبح له أو لغیره على هذا الوجه. فأما إذا ذبح
لغیره لا على هذا الوجه بأن ضحَّى أو ذبح للكعبة تعظیمًا لها؛ لكونها بیت الله تعالى أو
لرسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لكونه رسول الله فهو لا يجوز أن يمنع حلَّ الذبیحة،
وإلى هذا المعنى يرجع قول القائل: أهديت للحرم أو الكعبة، ومن هذا القبیل الذبح عند
استقبال السلطان؛ لأنه استبشار بقدومه نازل منزلة ذبح العقیقة لولادة المولود، ومثل هذا لا
يوجب الكفر، وكذا السجود للغیر تذللًا وخضوعًا لا يوجب الكفر وإن كان ممنوعًا، وعلى
هذا: فإذا قال الذابح: باسم الله واسم محمد وأراد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد فینبغي ألا
يحرَّم، وقول من قال: لا يجوز ذلك يمكن حمله على أن اللفظة مكروهة؛ لأن المكروه يصحَّ
نفي الجواز والإباحة المطلقة عنه[ اه.
فلا ينبغي لنا التسرع بالحكم بالشرك على من يذبح عند أولیاء الله قاصدًا بذلك إيصال الثواب
لهم؛ لأن الشرك يحصل إذا اعتقد الشخص النفع الذاتي في غیر الله أو القدرة الذاتیة على
الضرر، وكذا إذا صرف عبادة لغیره سبحانه، فینبغي أن نحسن الظن بهؤلاء؛ لأنه قد وقع
اتفاق الأمة على أن المسلم إذا عمل عملًا يحتمل الكفر من تسعة وتسعین وجهًا، ثم هو يحتمل
الإيمان من وجه واحد، وجب الأخذ بهذا الوجه الإيماني وحده، وإسقاط اعتبار بقیة الوجوه.
333 ، ط. دار الكتب العلمیة(: ]لا يفتى بكفر / قال العلامة ابن عابدين في “الدر المختار” ) 1
مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف، ولو رواية ضعیفة[ اه.
فالكفر من المسائل التي ينبغي التدقیق في الكلام علیها، لما يترتب علیها مِن أحكام دنیوية
وأخروية، فمعنى ثبوت الردة هَدْر الدم والمال وحرمة قربانه زوجته المسلمة، والشهادة علیه
بالخلود في النار إن مات على حاله. ولأجل عظم هذا الأمر وخطره وجب التبیین والتحري
الشديد قبل إصدار الحكم بالكفر وخصوصًا عن أناس ثبت إسلامهم، فمتى أمكن حمل فعل
المسلم أو قوله على محمل حسن تعیَّن ذلك، لا سیَّما وأن إسلامه قرينة قوية تدفع عنه حكم
الكفر.
وبناء على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإن ما يفعله بعض المسلمین عند قبور أولیاء الله
الصالحین من توزيع الذبائح عند قبورهم لإطعام أحباب هذا الولي أو غیره، وأن قول أحدهم
هذا لسیدنا الحسین رضي الله عنه مثلًا ينبغي أن يفسَّر ويحمل على محمل سائغ شرعًا – –
كالذي يحمل علیه قول سیدنا سعد: “هذه لأم سعد”، ولا تُعَدُّ هذه الأمور كلها من الذبح تعبدًا
لغیر الله الذي يكفر فاعله، فلا يكفر المسلم بفعل ذلك إلا إذا كان يقصد العبادة والتقرب من
غیر الله بهذا الذبح معتقدًا مشاركته لله تعالى في التأثیر وتصريف الأمور.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
